مُعضلة الهاشميين مع مسألتي المشاركة والتمثيل النيابي في الأردن

News-1-68809

كان الأردنيون منذ بداية الحكم الهاشمي عليهم في عام 1921م ولا يزالون يسعون جاهدين بمختلف فئاتهم وقواهم الوطنية والتقليدية إلى تمثيل نيابي حقيقي يجسد طموحاتهم الوطنية المشروعة، ويمنحهم الحق في المشاركة الفعلية في حكم بلادهم، لكنهم وكما يظهر من التجربة المريرة قوبلوا بتعنت النظام الهاشمي مُمثلاً في ذلك الوقت بالأمير عبدالله بن الحسين جدّ عبدالله الثاني، واتباعه سياسة التسويف ومماطلة بخصوص الاستجابة لمطلبهم الشرعية تلك، متذرعاً بحجج واهية شتى، مع العلم بأن بريطانيا التي كان لها الفضل عليه في تثبيت دعائم حكمه للبلاد وتقويته، كانت كما يبدو من خلال ما ورد في تقارير المعتمد البريطاني لشرقي الأردن (فيلبي) تتخذ موقفاً صريحاً تجاه دعوتها إلى تشكيل حكومة دستورية مُستندة إلى مجلس تمثيلي، منبثق من إرداة الأردنيين، لاسيما وأن الأمير عبدالله كان يدير شؤون البلاد والعباد ويحكم وفقاً لصلاحيات مطلقة، تصادر على إدارة الشعب الأردني، وقد بينّ فيلبي في تقاريره لحكومته أن الحلّ والوحيد لمشكلة شرقي الأردن يتمثل بضغط الحكومة البريطانية على الأمير عبدالله وإجباره على القبول بوجود مجلس تمثيلي مسؤول.

وفي ظل حقيقة هذه الأوضاع من سياسة الاستبعاد، فقد أخذت تظهر عند الأردنيين حالة من الضجر والتذمر المتنامي، وفي أوائل عام 1922م – والحكم الهاشمي في شرقي الأردن لم يتجاوز بعد سنته الأولى – قام وجهاء السلط بمعية شيخ مشايخ البلقاء الشيخ سلطان العدوان بزيارة الأمير عبدالله للتهنئة بالعيد، وبالمناسبة دار حديث بينهم وبين الأمير، نشرت مضمونه جريدة “مرآة الشرق” في عددها رقم 163 الصادر بتاريخ 10 حزيران 1922م، وقد تضمن الحديث ثلاث قضايا، كشف عنها الأمير، ووصفها أنها تجول في نفوس هؤلاء الوجهاء.

الأولى: وكانت تخص تساؤلهم عن مدى علم الأمير بما يجري في الحكومة، حيث أن أعضاء الحكومة هم الذين يتطفلون بإدارة الأمور، ويمارسون أعمالهم كيفما يشاءون دون سلطة من حسيب أو رقيب،

والثانية: إنهم – أي الوجهاء – يجتمعون اجتماعات سّرية في السلط، ويسعون إلى تشكيل مجلس تشريعي في البلاد تكون له صلاحيات مراقبة إدارة الحكومة لشؤون البلاد، والنفقات المالية،

وأما الثالثة: في رغبتهم في نشر التعليم بين أبناء شرقي الأردن. ولقد كانت أجابات الأمير على هذه الأمور كالآتي:” أمّا الأولى فكونوا على ثقة أنني لست غافلاً عمّا يجري في المنطقة، وثقوا أيضاً أن أعضاء الحكومة مقتدرون، وهمهم خدمة هذا البلد، ولا تظنوا أني غافل عن اجتماعاتكم في السلط، وأما المجلس التشريعي فلست أريد أن يقع في هذه المنطقة مثلما كان يقع زمن الدولة التركية، بل لست راضياً أن (تغلّوا يدي) كما فعل السوريون بأخي فيصل، فأخرجوه من الشام”، ثم استطرد في الحديث موجهاً لهم سؤالاً:” وما القصد من وقوفكم على الداخل والخارج من الميزانية؟ فقال أحدهم: قد بلغنا أن في الميزانية عجز كبير مقداره (100) ألف ليرة، ونحن نريد أن نعرف كيف تسترد هذه القيمة”.

فأجاب الأمير قائلاً:” لا تخافوا أن يكون هذا العجز ديناً عليكم، بل سنسدده من واردات الجمارك، وواصل الأمير قوله، وأما من جهة المعارف فالحكومة جادّة في تأسيس مدرسة ليلية وصباحية ومدرسة زراعية”. ويبدو جلياً من خلال هذا الحديث الوطني الذي جرى بين هؤلاء الزعماء والوجهاء الأردنيين والأمير عبدالله، أن الثقة كانت معدومة بين الأردنيين ونظام الحكم الهاشمي منذ بدايته، لكن الأهم من ذلك ما أكدّه الأمير من ثقة مطلقة بقدرة ونزاهة أعضاء الحكومة الذين كانوا جميعاً من المرتزقة المعاونين الذين استجلبها وجلّهم من بقايا حكومة شقيقه الملك فيصل الأول في سوريا، وبقايا حكومة شقيقه الملك علي في الحجاز فيما بعد، ولم يكونوا أبداً فوق الشبهات، فقد كانوا من المنتفعين وذوي المصالح الشخصية، والذين أيضاً لم يكونوا بالتأكيد مهمومين بتحرير سورياً من الفرنسيين كما أُشيع آنذاك، أو يهمهم أمر الأردنيين ومصالحهم وشؤونهم.

والواضح أن ما كان يهم الأمير من جهته هو أن تبقى سلطته مطلقة، وأن ما يخشاه أن يسعى وجهاء البلاد الأردن والرجالات الوطنية إلى تقييد سلطته تلك، على غرار ما فعله الوطنيون السوريون، الذين قيدوا سلطات الملك فيصل الأول بتشريعات دستورية أطاحت بحكمه لسوريا قبل مجيء الفرنسيين إليها.

والواقع أن الأمير عبدالله كان سيعمل جاهداً ما استطاع إلى ذلك سبيلا لكيلا تتمكن القوى الوطنية الأردنية في فرض هئيات دستورية وتمثيلة تحدّ من سلطاته المطلقة. وقد اثبتت الأحداث أن ما حققه الأردنيون من مطالب تمثيلية تعطيهم فرصة أكبر في المشاركة في القرار والحكم على تواضعه، لم يأت بصورة سهلة، فقد كان الأمير دائماً يقدم بعض التنازلات بعد مُماطلات ومراوغات كثيرة لا مجال لذكرها هنا.

وبالنسبة لنشر التعليم في شرقي الأردن فقد كان النظام الهاشمي ممثلاً بالأمير عبدالله لم يكن جادّاً في سلوك سياسة واسعة في التعليم، والسبب واضح وبسيط، وهو خشيته من انتشار الوعي بين أبناء الأردن، واتساع نطاق مطالبهم باحلال رجالات الأردن في إدارة البلاد محل الرجال الغرباء الذين كانوا يشكلون قاعدته… وهم في الواقع كانوا يمارسون الفساد العمومي في البلاد، واستمر فسادهم في الإدارات تتوارثه الحكومات المتعاقبة فيما بعد.

ومن هنا فأن وعي الأردنيين بشؤونهم الذي يوفره التعليم كان المطلوب أن لا يرقى إلى مستوى فهم ما يجري في بلادهم، أو أن يرفعوا سقف مطالبهم المحقة المشروعة في إدارة شؤون وطنهم. واليوم وبعد مضي تسعة عقود من العمر الدولة في الأردن، فقد تغيرت أشياء كثيرة في واقع الأردنيين، فهم أقرب ما يكونون إلى مرحلة ضياع وطنهم الذي ولدوا وعاشوا فيه هم وقبلهم أجدادهم وأبائهم، ويعيشون فيه مع أبنائهم، وضياع دولتهم التي قامت على أكتافهم وبجهدهم وصبرهم وعرقهم ونضالهم.

أحرى بالأردنيين اليوم وهم يرفعون شعار الإصلاح في زمن الربيع العربي، ولكنهم لا يحرزون نتائج حقيقية من هذا الإصلاح، أن يقولوا كفى وكفى، تسعون عاماً من المماطلة والتهميش والتهرب من قبل النظام الهاشمي، من الاستحقاقات الوطنية والتمثيلية والدستورية التي باتت اليوم مسألة حياة أو موت بالنسبة للشعب الأردني. أولى بالأردنيين أن يرفعوا شعار التغيير، فقد سئموا من الفساد ومن التهميش ومن سرقة إرادتهم ومصادرة حقوقهم.

إن التاريخ خير شاهد، يقدم موعظته وبراهينه، وهو يُعيد نفسه في وطننا الأردني، هكذا هو ديدن النظام منذ نشأته لا يغير من سياسته ولا يبديل. فالنظام الأردني الممثل اليوم برأسه الملك عبدالله الثاني، يؤكد ذات النهج وذات السياسة، ويرفض صياغة قانون انتخابي يُخرج إلى النور مجلس نواب حقيقي وليس مزيفاً أو ألعوبة، يمثل طموحات جميع الأردنيين، ويسمح لهم المشاركة الحقيقية بالحكم والقرار عوضاً عن السلطة المطلقة التي لا يزال النظام يتمتع بها إلى الآن، وكأننا نعيش في عشرينات أو ثلاثينات القرن العشرين.

دع عنك الحديث عن الممجوح الذي يتحدث عن النظام من عودة الحياة البرلمانية والديمقراطية في الأردن منذ عام 1988م، لأن جميع المجالس النيابية عبارة عن صور كاريتورية مضحكة، كما أن جميع الانتخابات كانت تشهد تزويراً فاضحاً، وتدخلاً من الحكومة لصالح من ترغب أن يكون من “زلمها” في البرلمان، يخدم مصالحها، متجاهلاً الوظيفة الوطنية السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي وجد من أجلها.

أما عن الفساد في أموال الدولة والشعب فحدّث ولا حرج، وهنا يبدو جلياً أن التاريخ يعيد نفسه في أوطننا، فمنذ مبتدأ عهد الهاشمين في الحكم، فقد أصبح هذا الفساد ممنهجاً وترعاه مؤسسات وشخصيات ونخب ومسؤولين. والنتيجة مديونية بأرقام فلكية بالنسبة لعدد سكان الأردن، بسبب هدر المال العام والاستحواذ عليه بلا حسيب أو رقيب.
أن ما تخرّص به كثير من الألسنة المأجورة من ذوي المصالح الشخصية والمآرب المعروفة، هو أن الأردنيين مازال أمامهم شوط زمني طويل حتى يصبحوا ” ناضجين ” لحكم أنفسهم بأنفسهم، وأن عليهم أن يبقوا تحت ” الرعاية ” أو ” الوصاية ” إلى أجل غير مسمّى، وعليهم أن يقبلوا بالموجود.

د. عبدالله مطلق عوض العساف

 

منقول عن موقع وطن نيوز

5 أفكار على ”مُعضلة الهاشميين مع مسألتي المشاركة والتمثيل النيابي في الأردن

  1. كلام تاريخي حقيقي سليم أشكرك للجرأة والمصداقية

    إعجاب

  2. الله حيه ابن العساف هذول الهاشميين لا يمتون للـ…………….. (ص) بأي صلة هم من يـ…… الد….. تركيا

    إعجاب

أضف تعليق